الأربعاء، 28 يناير 2009

فنجان قهوة وسيجارة


ان صداقتنا لايمكن ان تستمر ... كانت هذه اول جملة كسرت بها حاجز الصمت الذي بنيناه بسكوت لادري كم استمر , لكن اعتقد انه استمر لمدة طويلة . قالتها وهي تحدق لفنجان القهوة امامها . اتدرين ما افضل شئ يبتدئ به المرء صباحه . رفعت عينيها ونظرت لي نظرة ملؤها الاستفهام و التعجب وكأنها تريد ان تقول بماذا تهذي . لم تمنعني نظراتها من ان اكمل قائلا : فنجان قهوة محضرة من بن طازج . ثم رشفت رشفة من فنجاني . وبعدها التقطت علبة سجائيري مكملا حديثي : وسجارة من نوع جيد . اخرجت السجارة واشعلتها وسحبت منها نفسا عميقا كتمته في صدري للحظات , كنت اريد ان يتوغل الدخان في كل حويصلة من حويصلات رئتي وان يتشبع دمي به ثم زفرته ببطئ في وجهها . تراجاعت للخلف بكل ضيق و انزعاج وقالت في غضب : نعم هذا هو انت , الشخص الذي لايبالي بشئ , انت لا تبالي بكلامي ولا تحترم اراي وافكاري ومعتقداتي , هذه هي عادتك التي اكرهها , كيف تظن ان بإمكاني ان اتحمل تلك الشخصية التي تحملها بين جنبيك بل كيف تتحملها انت .. اشرت لها بسبابتي ان تصمت , وياللعجب , فلقد صمتت بالفعل وابتلعت كلماتها . لقد قالت صداقتنا ام انني كنت اتوهم . صداقتنا ؟ الحقيقة انا لم اعطي اسما من قبل للعلاقة التي تربطني بها ولم ارسم لها طريقا محددا احرص على ان تمضي فيه , لكن كنت اعتقد انها اكبر من هذه الكلمة ( الصداقة ) تلك الكلمة التي اصبحت مطاطة وتشمل شخصيات كثيرة في حياتي ,اصحابي على القهوة ,زملاء العمل ,الجيران ,من تعرفت عليهم عن طريق النت وصفحات التعارف . لكن هي كانت اهم من هؤلاء , واعتقد انني انا ايضا كنت بالنسبة لها اكثر من مجرد صديق . من اجل ذلك قلت هذا الكلام العجيب عن القهوة و السجائر . قلته لكي اعطي لنفسي فرصة تقمص الشخصية التي تكرهها ,شخصية اللامبالي , نعم لن اظهر لها اي ضعف , لن اظهر اي تعجب او حزن او حتى ضيق , لن ابكي ... الرجال لا يبكون, رغم وقع كلماتها القاسي على نفسي . اهكذا تصيفين علاقتنا بأنها مجرد صداقة ؟ كنت احدق في عينيها وانا اسألها , اريد ان اقرأ ما يجول بخاطرها ,اريد ان اسبقها بخطوة عن طريق معرفة مايدور في نفس تلك الجميلة المغرورة الحمقاء , ياإلهي ,أيعقل ان يكون الجمال مرضا ومن اعراضه الدائمة الغرور و الحماقة . نعم صداقة ,وماذا كنت تعتقد ,انا اعمالك بنفس الطريقة التي اعامل بها كثيرين غيرك ... فعلا !! قلتها بسخرية مريرة . معكي حق , حديثنا لساعات طويلة عن طريق الهاتف وخروجنا المتكرر وجلوسنا الدائم في هذا المكان وعلى نفس الطاولة لايعني اي شئ على الاطلاق , اختيارنا لاغنية ناعمة حالمة تعبر عنا نحن الاثنين , واصطحابي لك بضع مرات اثناء شراء ملابس لي , وتلك المكتبة التي كنت تأخذيني اليها من اجل شراء الكتب كل اسبوع , والهداية بيني وبينك , كل هذا لا يدل على شئ ابدا . اه عذرا بل يدل على غبائي فقط لاغير طالما انك تفعلين هذا مع كثيرين غيري . بدأ الغضب يعلو وجهها وارتفعت نبرة صوتها , عادة يكون هذا رد فعل اي انسان وقع عليه ظلم كبير , أهي فعلا هذا الانسان ام هي استاذة تمثيل . انا لم اعدك بأي شئ مطلقا , وليحاسبني الله اذا كنت تفوهت بأي شئ يجعلك تظن ان الذي بينك وبيني ليس مجرد صداقة عادية . عندي فكرة . قالتها وهي تقوم من مكانها بعنف , لقد انتهى الحديث بيننا .. امتدت يدي بسرعة لتطبق على ذراعها . الى اين انت ذاهبة ,ليس من حقك ان تفعلي هذا , من تظنين نفسك ,ان مشاعر الناس ليست لعبة بين يديك , اتعلمين , انا استحقرك , نعم استحقرك , فانت كما الدمية , جميلة من الخارج وجوفاء من الداخل , مصنوعة من البلاسيتك , انت بلا عقل و بلا روح والاهم من ذلك بلا قلب .. اكرهك .. انا اكرهك بشدة ... لادري لماذا احتبست الكلمات في حلقي , لقد قلت لها كل هذا من دون ان احرك شفتي مطلقا ,لقد كانت نفسي تصرخ بتلك الكلمات , تصرخ بعنف شديد , تريد ان تطلقها في عنان السماء وان يسمعها كل المخلوقات يجب ان يعرف الجميع انها من ذلك النوع الذي يتلاعب بمشاعر الناس . ظلت هي واقفة وتنظر الي بثبات وانا جالس ولازلت ممسكا بذراعها كأننا في لوحة تعبر عن عذاب الحب رسمها فنان بائس تعس .. كانت نظراتها لا تحمل الا معنى واحدا فقط, لا تحاول لقد انتهى كل شئ . تراخات قبضتي من على ذراعها وادارت ظهرها الي ورحلت من دون اي كلمة . يبدوا انها النهاية فعلا . اسندت ظهري على الكرسي ومددت يدي الى سيجارتي التي تركتها معلقة على طرف مطفأة السجائر لاجدها وقد اصبحت عمود من الرماد انهار بمجرد لمسي لها كما انهارت احلامي كلها امامي منذ لحظات . اخرجت سيجارة اخرى وما إن وضعتها في فمي حتى وجدت عود ثقاب مشتعل يقترب من طرفها . اشعلت سيجارتي و رفعت عيني الى حامل العود اشكره . لقد بردت قهوتك يا سيدي . نظرت الى فنجان الذي لم ارشف منه غير شرفة واحدة ولقد اصبح باردا كبرود تلك اللحظات الثقيلة على قلبي . اجبته بشرود نعم لم انتبه لذلك . فقال في ادب دعني احضر لك فنجان اخر وقبل ان اشكره و اقول له لاداعي لي ذلك كان قد سبقني قائلا : ان افضل ماتبدي به يومك فنجان قهوة محضرة جيدا وسيجارة من نوع جيد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق